أوضح الكاتب عزمت علي في مقاله أن الشرق الأوسط عام 2025 يعيش دوامة جديدة من التوترات المتصاعدة والتحالفات المتبدلة والدبلوماسية المتعثرة، حيث برز تطوران مفصليان يعيدان تشكيل موازين القوى الإقليمية: إعادة فرض العقوبات الأممية على إيران وتصاعد المواجهة بينها وبين إسرائيل.

ذكر ميدل إيست مونيتور أن بريطانيا وفرنسا وألمانيا – المعروفة باسم مجموعة “E3” – فعّلت في أغسطس 2025 آلية “العودة التلقائية للعقوبات” المنصوص عليها في الاتفاق النووي لعام 2015 (خطة العمل الشاملة المشتركة)، متهمة طهران بعدم الوفاء بالتزاماتها النووية. وفي 28 سبتمبر، أعاد مجلس الأمن الدولي فرض العقوبات الرئيسية، بما في ذلك حظر الأسلحة وتجميد الأصول ومنع تبادل المواد ذات الصلة النووية.

رفضت طهران القرار واعتبرته “غير قانوني ومسيّس”. وصرّح المتحدث باسم وزارة الخارجية إسماعيل باقعي أن “التهديد باستخدام آلية العودة التلقائية للعقوبات يفتقر إلى الأساس القانوني والسياسي، وسيُقابَل بردّ مناسب ومتوازن”.

أكد وزير الخارجية عباس عراقجي أن البرنامج النووي الإيراني سلمي، موضحًا أن التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية يجب أن يكون متبادلاً، أي أن توقف الدول الغربية أولاً “إجراءاتها العدائية”، وعلى رأسها العقوبات. وهكذا دخلت الدبلوماسية مرحلة الجمود بينما تصاعدت المواجهة دون استعداد أي طرف لتقديم تنازلات.

في يونيو 2025 شنّت إسرائيل سلسلة غارات على مواقع نووية وصاروخية إيرانية. وصف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو البرنامج النووي الإيراني بأنه “تهديد لوجودنا ذاته”، معلنًا أن إسرائيل باتت قريبة من “القضاء على الخطر المزدوج” المتمثل في الصواريخ والقدرات النووية الإيرانية.

أدانت إيران الهجمات وتوعّدت بالرد، مستندة إلى شبكة “محور المقاومة” التي تضم جماعات حليفة في لبنان وفلسطين واليمن والعراق، وهي أدوات تمكّنها من بسط نفوذها دون خوض حرب مباشرة. في المقابل ترى إسرائيل وحلفاؤها في هذه الجماعات تهديدًا وجوديًا واستراتيجيًا.

انضمت روسيا والصين إلى جانب طهران في رفض قرار العقوبات، ووصفتا الخطوة الأوروبية بأنها “تفتقر إلى الأساس القانوني والإجرائي”. وحذرت موسكو واشنطن من أن أي هجوم على إيران سيزعزع استقرار الشرق الأوسط برمّته.

ورغم أن بكين وموسكو لم تتدخلا عسكريًا في المواجهة الإيرانية الإسرائيلية، فإنهما واصلتا تعميق التعاون مع طهران عبر تدريبات بحرية مشتركة وتبادلات تكنولوجية دفاعية ومشاريع اقتصادية ضمن الاستراتيجية الأوراسية الروسية.

في المقابل، تحاول دول الاتحاد الأوروبي ومعها الدول العربية معالجة الأزمة الأوسع في المنطقة عبر مزيج من العقوبات والمساعي الدبلوماسية. دعا المجلس الأوروبي إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية، والإفراج عن الرهائن، مع التشديد على ضرورة التزام إسرائيل بالقانون الدولي الإنساني.

تعمل مصر وقطر ودول الخليج على خطة عربية لإعادة إعمار غزة تتضمن شروطًا أبرزها نزع سلاح حماس وإصلاح النظام الإداري الفلسطيني، ما يعكس تحول النفوذ الإقليمي من المواجهة العسكرية إلى الدبلوماسية الإنسانية وسياسات إعادة الإعمار.

تحتفظ إسرائيل بتفوّق عسكري واضح بفضل قدراتها في الاستخبارات والضربات الدقيقة والدفاع الصاروخي، ويصف نتنياهو حملته الأخيرة بأنها “نصر تاريخي” على الخطر الإيراني. ومع ذلك، يؤكد الكاتب أن ميزان القوة في الشرق الأوسط لا يُقاس بالسلاح وحده. فإيران تملك ما يسميه “قوة الصمود” عبر شبكاتها الإقليمية وقدرتها على التكيّف واستنادها إلى شرعية أيديولوجية، رغم العقوبات التي لم تمنعها من تصدير أكثر من 1.5 مليون برميل نفط يوميًا في مطلع عام 2025، بحسب وكالة رويترز.

يحذر محللون من مجموعة الأزمات الدولية من أن استمرار الضغوط دون مسار تفاوضي قد يعزز نفوذ المتشددين في إيران بدلًا من دعم المعتدلين. المفارقة واضحة: إسرائيل تتفوق عسكريًا لكنها عاجزة عن إنهاء نفوذ إيران، بينما تعاني طهران اقتصاديًا لكنها تظلّ متماسكة سياسيًا وأيديولوجيًا.

يرى المقال أن مستقبل الشرق الأوسط لن تحدده القوة الصلبة وحدها، بل القدرة على الدمج بين النفوذ العسكري والدبلوماسية والاحتواء وبناء المؤسسات. ويظهر ذلك في أدوار الاتحاد الأوروبي في غزة، والوساطة العربية، والشراكات الاستراتيجية الإيرانية، التي تؤكد أن التأثير الحقيقي ينبع من المرونة والتعاون والصبر الاستراتيجي.

تُبرز العقوبات المتجددة والضربات العسكرية حدود سياسة الإكراه، إذ لا يضمن الردع وحده سلامًا مستدامًا. السلام الحقيقي، كما يختم الكاتب، يحتاج إلى كبح جماح القوة، والانفتاح على الحوار، وتشييد جسور الثقة بدلًا من الحصون والعزلة. فالقوة التي لا تتحوّل إلى دبلوماسية، لا تدوم.
 

https://www.middleeastmonitor.com/20251020-iran-after-the-nuclear-deals-collapse-power-pressure-and-the-future-of-the-middle-east/